الجمعة، 30 ديسمبر 2016





سئل الشيخ فرج الله عنه:

(ياشيخ ، أمي وأبي يطلبان مني طلبات كثيرة ، وأنا أدرس ، وهم لم يراعوا ذلك .
أحيانا أرد عليهم بأني سأذاكر .
ما الحكم ؟ وكيف أتصرف ؟)


فأجاب :

( بالله عليك لا تفوتنك مصاريع باب الجنة ..
أنت الآن على ضربة مِعوَل من منجمِ "مثاقيل الحسنات" فلا تُلقِ ذراعك حين تلألأت أطراف الجواهر بين يديك..
أتعلم أن فئاماً من الشباب لا ينعمون بالنعمة التي أنت الآن في أعطافها.. قبض الله أرواح والديهم..
فكلما لفحتهم الذكريات تقطَّعت نياط قلوبهم يريدون لحظةً يروون فيها نفوسهم من بِرِّهما ويبلّون ظمأ الإحسان للوالدين..
كم من شابٍ صلى على والديه تتقصف أضلاعه الآن يتمنى تلك الساعة التي يحمل فيها أكياساً لهما من السوق..
أو يفتح باب السيارة لهما ليقلّهما لبعض شأنهما..
أو يدخل عليهما بحفيدهما يتنازعان حمله والسرور يبرق في وجهيهما.. ويحاميان عنه ويد الطفل تعبث فيما حوله..
أو يكون هو وأشقاؤه خلف الوالد وهو يدخل وليمة أو مناسبة..
وكم من رجل يرى الآن في غرفة والدته الراحلة بقايا قنينات دوائها التي كان ينظم أقراصها لها.. يعصره الحنين عصراً على تلك اللحظات.. وما بيده شيء.. وربما وارى دمعةّ حرى تتلامع فيها لوعات الفقد والغياب.. ولا شيء أشجى على أشداء الرجال من دمعة خفية على ذكرى والديهم..
لي قريب لم يجد شيئاً يبلّ كبده إلا أن يأخذ "شيلة" والدته الراحلة كل ليلة وينام عليها ويستنشق رائحتها..
بالله لو قيل لمثل هذا كم تدفع لتعود والدتك؟ فسيقول الدنيا كلها..
أما ترى ربنا في كتابه يطلب منا أن نتذلل له سبحانه.. ومع ذلك قال عن الوالدين {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ}
بالله عليك أتعرف شيئاً في كتاب الله شنّع عليه القرآن أكثر من الشرك؟
انظر كيف يذكر الله حق الوالدين بعد حق الله بالتوحيد، وكيف يذكر العقوق بعد الشرك:
قال الله {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}
وقال سبحانه {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}
وقال سبحانه {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً}
ما أكثر ما يلتمس المرء من رجل ذي خبرة أن يوصيه بشيء ينفعه.. والله جل وعلا يتحبب لعباده بلفظ الوصية فيقول {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ}
ويكرر سبحانه الطلب بنفس اللغة "الوصية" فيقول:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً..}
إنه الله.. الخالق سبحانه بعظمته.. "يوصينا" بوالدينا.. ماذا بقي من هول الحق لهما بعد ذلك؟!
ألم يلفت انتباهك أن الله إذا مدح أحداً ببر الوالدين ذكر النفوس المتجبرة؟
لماذا؟!
لأنها هي معدن العقوق.. قال الله عن يحي{وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا}..
وقال سبحانه عن عيسى {وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا}..
وأما قولك غفر الله لك "يطلبون مني طلبات كثيرة" فالجواب: ارفع يديك شاكراً حامداً لله أنها "كثيرة"..
سابق الريح في تحقيق مطالبهما وسترى الخيرات تفتح لك.. وستشاهد من أبواب التوفيق ما لا يقع منك بحسبان..
أتعلم أن فئاماً من الناس يستثقل والداه أن يسألا أحداً شيئاً.. ويخفيان حاجياتهم عن أبنائهم.. والأبناء يتسقّطون أخبار أمنيات والديهم من أصدقائهما وأصفيائهما ليفرحونهما بها.. وأنت قد أنعم الله عليك بوالدين "يكرمانك" بأن يطلبا منك.. و"يتفضلان" عليك بأن يسألاك.. وأنت تتضايق من النعمة!
أرأيت بالله عليك رجلاً تهطل عليه من الله العطايا.. فيمد للناس صحائف الشكوى من تتابعها؟!
أتستشير كيف تتخلص من ضغط مطالب والديك.. ؟!
سألتك بالله هل أنت جادّ؟!
يا الله.. كم هو سؤالٌ قاسٍ عفا الله عنك.. يا)


إجابات أبي عمر السكران
 [


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق